
محمد كمال
انتبه إلى حذائك.. إذا سمحت
من خلال ممارستي لهوايتي المحببة، أعني التجول في ردهات الأمثال الشعبية لدى الشعوب، تكوَّنت لدي قناعة بأن الأمثال صناعة ثقافية قبل أن تكون صناعة لغوية، وأن البنية التعبيرية لهذه الأمثال تتشكل من مفردات بيئة لها مكوناتها المتوارثة، وكذلك من خصائصها الذوقية أيضًا، وأصرُّ على هذه الخصائص، فالذوق شرط معياري أصيل لا ينفك يسري في جسد المثل، وهذه الصناعة لا بد من أن تختلف عن غيرها من البيئات، حتى إنها قد تحدث صدمة مضحكة عند الاحتكاك المعرفي بها. أقول هذا ــ دون تفصيل أكثر ــ حين وقعت على مثل شائع لدى الفرنسيين، أو قل: على عبارة سائرة يرددونها ويتكئون عليها في أحاديثهم اليومية دون حرج ولا تحفظ، وهي قولهم:
Trouver chaussure à son pied.
وترجمتها: ابحث عن الحذاء المناسب لقدمك.
ويتساءل صاحبي:
ـــ وأي حرج أو تحفُّظ في أن يبحث كلٌّ منا عن حذاء يناسب قدمه ليس بالضيِّق ولا بالواسع! وأي غبي يشتري حذاء أكبر أو أصغر من قدمه!!. فقلت له:
ـــ تريَّث قليلًا يا صاحبي، لأنك ستفاجأ بأن هذه العبارة: "إيجاد الحذاء المناسب" هي تعبير فرنسي مجازي يتخطى المنطوق اللغوي للحذاء الذي ننتعله إلى معنى العثور على ما يتوافق تمامًا مع احتياجات الشخص أو مع لوازمه الضرورية الخاصة.
يحدثنا الكاتب الجزائري محمد عَقُوني في كتاب صغير له عنوانه "أمثال شعبية فرنسية" ص 48 ضم مجموعة من الأمثال والعبارات الفرنسية المتداولة، يحدثنا عن الحقول المختلفة التي يستعان فيها بهذا المثل:
ففي العلاقات العاطفية: يستعمل حين الظفر بالشخص الذي يناسبنا ونكون سعداء معه، فيقولون: وجدت أخيرًا الحذاء المناسب عندما قابلت ماري.

وفي مجالات العمل: حين العثور على وظيفة نشعر فيها بالراحة، فيقولون: بعد عدة سنوات من البحث، وجد أخيرًا الحذاء المناسب عندما حصل على وظيفة مدير فني.
وكذلك في مجال العثور على مكان نشعر فيه بالراحة والأمان، فيقولون: زاروا العديد من الشقق السكنية قبل أن يجدوا الحذاء المناسب.
وفي مجال انتقاء الحاجات الملائمة: تقول السيدة بعد عودتها من السوق: بحثت طويلًا عن حقيبة اليد المثالية، وأعتقد أنني وجدت أخيرًا الحذاء المناسب.
ضحك صاحبي دون أن يستلقي على قفاه، ثم حدَّق في وجهي وقال:
ـــ تصوَّر ما الذي سيحدث لو أن أحدهم في بلادنا عيِّن سفيرًا في بلد ما، وفي اليوم التالي كتب أحد الصحفيين في جريدته الغرَّاء: لقد وجدنا الحذاء المناسب حين عيِّن سعادة فلان سفيرًا لوطننا الحبيب!!.
كان لابد لي أن أشارك صاحبي الضحك، ولكنني بادرته بالقول:
ـــ نحن عندما نريد أن نعبِّر عن مفهوم التطابق والملاءمة نقول: طنجرة وحوّشت غطاها. فالطنجرة أليق وأخف من الحذاء، أليس كذلك؟.
ـــ تريد أن تقول: أشوى، أو أچلبن. والحذاء، أين موقعه في أمثالنا الشعبية؟
ـــ يا صاحبي، كل ألبسة الرِّجل عندما تذكر فلا يراد بها عندنا إلا التحقير والذم والإهانة.
ـــ نعم نعم، وما دمنا في حديث الأحذية فقد ذكَّرتني بعبارة طالما سمعتها من بني قومنا الأشاوس، فهم إذا بدُّن يأنکلوا على واحد أو يلَطشوه كلام يقولون: فلان فردة مالا أخت. ويريدون فردة صرماي، وذلك لتفرده بالمزايا السيئة.
ـــ ثم انظر عندهم إلى هذه الكناية الذكية، فهم إذا أرادوا أن يصفوا أحدهم بالبخل وبأنه لا يدخل بيته ضيف قالوا: فلان عمرو ما تقاتلوا صرمايْتين بعتبة بيتو.
ـــ وإذا شتموا أحدهم قالوا: حقّو فردة صرماي عتيقة.
ـــ ويقولون لمن يكابر ويعاند: هادا ما بجي إلا بالصرماي!.
ـــ وهذه العبارة فيها تورية خبيثة، فظاهرها أنه لا يأتي إلا لابسًا الصرماي،وباطنها أنه أذعن واستجاب على رغم أنفه.
ـــ ومثلها: لحقو بالشحَّاطة.
ـــ ومثلها أيضًا قولهم: أجت القندرة عليه. فظاهرها أنها لاءمت قدمه، وباطنها أنه ضُرب بها.
ـــ وكذلك نسمعهم يقولون: هادا لا تشلحو من إجرك.
وفي هذا القول تشبيه له بالحذاء الذي يلازم الأقدام.
وهبَّ صاحبي واقفًا وقال:
ـــ اعذرني، لدي موعد مع طبيب الأسنان، هذا الرجل الذي بدأت أرتاح إليه جدًّا بعد محاولات يائسة مع غيره!.
ـــ كأنك وجدت الحذاء المناسب أخيرًا!!!.
شارك هذا المقال على منصّة التواصل الاجتماعي المفضّلة لديك